الثقة ودفة السياسة
(02/06/2018)



تمكن الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني برئاسة "بيدروسانتشيث" صباح يوم 2018.06.01م من الاطاحة بحكومة "ماريانوراخوي"(الحزب الشعبي الحاكم منذ 2012م) وذلك اثر جلسة تصويت برلمانية لحجب الثقة عن الرئيس الحالي، على خلفية فضيحة متعلقة بشبكة فساد مرتبطة بشخصيات من الحزب الشعبي الحاكم. وتجدر الإشارة هنا إلى أن التشريع الإسباني يسمح بتولي الرئاسة بعد عملية حجب ثقة بدون اللجوء إلى انتخابات ولا صناديق اقتراع ولا تصويت، بعد نشر القرار في الصحيفة الاسبانية الرسمية وإحاطة ملك اسبانيا مباشرة، وهو ما تأتى في يوم وليلة فقط (2 يونيو 2018م).

منذ أن انتشرت فضائح الفساد، ومنذ أن عَلِم بانهيار شعبية "ماريانوراخوي" في استطلاعات الرأي المتكررة، نتيجة تلك الفضائح ونتيجة سوء التعامل مع قضية انفصال كاتالونيا، عَمل "بيدرو سانتشث" على نسج تحالفات خفية وسريعة مع "خصوم لدودين" فيما مضى، من بينهم حزب اليسار الجمهوري الكاتالاني والحزب الديمقراطي الكاتالاني الانفصاليين، ومع حزب "بوديموس" الشعبوي اليساري ذو الروابط الفنزويلية وربما الروسية (الذي سارع زعيمه "بابلو اغليسياس" إلى مطالبة الحكومة الجديدة بتشكيل حكومة  ائتلاف في محاولة سادجة لجعلها تنحرف عن مسارها الاشتراكي التقليدي بما يخدم مشروعه "التقدمي" وأهدافه)  وتجمعBildu  (ائتلاف انفصالي من الباسك) وحتى مع الحزب الوطني لإقليم الباسك (PNV) المتهم بجرائم ارهابية منذ تأسيسه والذي رفضت الحكومة المنهارة منحهم العفو رغم حل التنظيم مؤخراً، ليصبح السيد "سانتشيث" الرئيس السابع للحكومة الاسبانيه، لأول مرة إثر عملية سحب ثقة تتم بنجاح (في 40 سنة ديمقراطية).

بالنسبة لكاتالونيا، فإن موقف الحكومة الجديدة - ظاهرياً على الأقل- هو رفض أي انفصال أو أي مساس بالدستور الاسباني، مع التأكيد على جرم "بويجديمونت" الفار إلى بلجيكا ثم ألمانيا. من جهة أخرى، تزامنت مراسم تنصيب الرئيس الجديد مع مراسم تشكيل الرئيس الكاتالاني"كيم تورّا"، لحكومته الإقليمية الجديدة متنبئا في خطابه بنهاية المادة 155، بعد 7 اشهر متواليه من تطبيقها، واعداً بالمضي قدما لتحقيق "الجمهورية الكاتالانيه" وبالإفراج عن المحتجزين والفارين من المسؤولين في الحكومة الكاتالانية السابقة، مضيفاً أنه سوف يمضي في نفس الطريق الديمقراطي الذي سلكه خليفته "بويجديمونت"، المطارد من قبل السلطات المركزية، وأن فريق عمله سيضع نصب عينيه هدف تحقيق "الدولة المستقلة" حسب ما أملاه استفتاء الشارع الكاتالاني في 1 اكتوبر 2017م، والذي صادقت عليه وأكدته انتخابات 21 ديسمبر من نفس السنة، مقترحاً على رئيس الحكومة الإسبانية الجديد إدارة الحوار بين الحكومتين. 

مبدئياً يشاع أنه لربما قام "بيدروسانتشث" بالتعهد للكاتالونيين "برفع الرقابة المالية على حكومتهم" الذي فُرِض عليها عام 2015 من قِبل حكومة "ماريانوراخوي"، ولكن حتى وإن صحّ هذا، فما هو إلا البداية لمشهد اسباني جديد، قد تكون من ضمن أجزائه تعديلات على الدستور أو النظام الإداري للملكة الاسبانية، وهو أمر قد لا تقوى عليه الحكومة الجديدة لوحدها دون دعم شعبي عارم.

لقد تأتّى للسيد "بيدروسانتشيث" ذلك النجاح بفضل تآمره على حكومة "راخوي" مع خصومه في الماضي وخصوم الحزب الشعبي، وخصوم وحدة التراب الاسباني، بتحالفاته المذكورة سالفًا، فيما يعتبر تحالفاً غريباً قد تتبعه نتائج ربما تمس باستقرار اسبانيا فيما بعد، اذا اخذنا في الاعتبار مطالب كل منهم و"فاتورة الحساب" التي قد يعرضونها على الرئيس الجديد مستقبلا، مقابل الدعم الذي قدموه له صباح ذاك اليوم من أجل تمرير قرار سحب الثقة وتنصيبه رئيسا جديداً.

مستقبل اسبانيا مرهون بنضوج الحزب الشعبي (PP) في دوره الجديد كمُعارض وعلى مدى التقارب مستقبلا مع الحزب الاشتراكي الحاكم منذ يوم أمس، لإنقاذ هذا الأخير من مغبّة تحالفاته ومن "تمسكُنِ" أحزاب تلك التحالفات التي تتقنص الفرصة لتأتي برياح قد لا تشتهيها اسبانيا، مما قد يجعل الرجوع إلى فلك الثنائية الحزبية والوفاق بين الحزبين التقليديين (PP + PSOE) في الظروف الحالية أسلم من الجري على انفراد وراء الرئاسة بهذه الطريقة، رغبةً في الحكم بأي طريقة.

 (02/06/2018) A.M

No hay comentarios:

Publicar un comentario